دستُورُ جمهوريّة العَراق لسنةِ 2005 بينَ اخفاقاتِ التــأسِيس ومتطلباتِ الإصلَاح
DOI:
https://doi.org/10.61353/ma.0090611الملخص
تحظى الدساتير المكتوبة في الدول بمكانة متميزة, بوصفها الوثيقة القانونية والسياسية الأسمى في الدولة, فالدستور سيد القوانين ؛ لأنَّه يحتوي على الأهداف الوطنية والغايات المنشودة, وينظّم أسس الحكم في الدولة, والعلاقة بين سلطاتها, ويبين حقوق المواطنين وحرياتهم , لذلك يجب أن يتضمن القواعد العامة والخاصة بالحكم والحقوق والحريات وينظمها تنظيماً شاملاً, وهي الوظيفة الأساسية للوثيقة الدستورية.
لذلك تُعدّ عملية وضع دستور جديد أو عملية تعديل دستور قائم حدثاً تاريخياً في حياة الشعوب , ولا سيما في المراحل الانتقالية, إذ تكون الدولة حديثة الخروج من حكم دكتاتوري أو عسكري أو استعماري أو عنصري, فتحظى عملية وضع دستور جديد بأهمّية أكبر وبرمزية خاصة , فبناء الدولة يبدأ فعلاً عند بناء دستور جديد للبلاد.
ومما لا يختلف عليه أثنان أنَّ عملية وضع الدستور تتطلب توافر مجموعة من متطلبات تكون في مقدمتها المدة الكافية لمراحل وضع الدستور جميعها, كما تستدعي عملية الصياغة القانونية لمضامين الدستور خبرة فنية عالية في المجال القانوني والمجال اللغوي , فهي عملية تقنية بحت, تشكّل جزءاً لا يتجزأ من عملية صياغة مشروع الدستور ككّل, وتواكب عملية تحديد المضامين, فضلاً عن أن يكون التوافق بين المكونات على أساس المصلحة العامة .
إلَّا أنَّ بعض الدول ـــ ذات التجربة الحديثة في كتابة الدساتير الديمقراطيةـــ يُلحظ في نصوص دساتيرها نقص واضح فضلاً عن عدم استطاعتها مواكبة المستجدات, زد على ذلك التعارض والغموض وهذا الأمر يؤدي بطبيعة الحال إلى نشوء فراغ في الوثيقة الدستورية , أو قد يقود نحو الخلاف والصراع يعجز معه النصّ الدستوري بحد ذاته عن تقديم حلّ لمسـألة قانونية معينة قائمة أو تستجد لاحقاً, وقد يكون غير منسجم مع تطلعات الشعب.
والنتيجة أنَّه في الحالات كلّها, لابد من إصلاح الدستور, لذلك يجب على الجهات التي تمتلك سلطة تعديل الدستور إِتباع الإجراءات التي نصّ عليها الدستور لتعديله , لتجاوز النقص ورفع الغموض وإزاله التعارض الذي شاب الوثيقة الدستورية, فضلاً عن الرغبة الشعبية بالتعديل.
ويقيناً أنَّ الدستور العراقي لسنة 2005 لم يبتعد عن بقية الدساتير, فقد لحق به النقص والغموض والتعارض والخلاف ومن هذه النصوص التي ظهر فيها نقصاً وغموضاً وتعارضاً تلك المتعلقة بشكل الدولة الاتحادي والمنظمة لطبيعة النظام السياسي فضلاً عن النصوص المتعلقة بفاعلية السلطات بفعل اجتماع عدة عوامل رافقت كتابته, كان أهمها الظروف الأمنية الاستثنائية التي خيّمت على العراق في أعقاب سقوط نظام الحكم قبل سنة 2003, وعدم تخصص غالبية أعضاء الجمعية التأسيسية في مجال صناعة الدستور وصياغته, والمدة القصيرة , التي أثرت سلباً على وحدة الفكرة, وانسجام الصياغات وتناسقها, فلم تستغرق كتابة الدستور فعلياً بحسب تصريح رئيس لجنة كتابة الدستور سوى اثنين وأربعين يوماً, في وقت كان المفروض أن تأخذ كتابة دستور دائم مدة أطول بكثير من ذلك, ويقيناً أنَّ كتابة أول دستور صدر في العهد الجمهوري الذي اعتمد دساتير استثنائية مؤقته على مدى خمس وأربعين سنة, تحتاج إلى مدة أطول.
يُعدُّ موضوع الاخفاقات التي رافقت تأسيس دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ومتطلبات إصلاحه من الموضوعات الهامة والشائكة من الناحيتين النظرية والعملية، إذ تتجلى الأهمية النظرية ، أنَّه لم يتمّ البحث في مسـألة وضع دراسة عامة وشاملة عن اخفاقات التأسيس ومتطلبات الإصلاح.
أمّا من الناحية العملية فتظهر أهمية الدراسة في بيان آثار هذه الاخفاقات على واقع الدستور الذي أفزره التطبيق الفعلي إذ أدى إلى شلل كثير من المؤسسات الدستورية بسبب أنَّه كان على حساب المصلحة العامة ومصالح المواطنين.
تُسلط الإشكالية الموضوع على اخفاقات تأسيس دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ومتطلبات إصلاحه؟ ويتفرع عن هذه الاشكالية أسئلة جوهرية عدة منها: ما إخفاقات التي رافقت وضع الدستور المذكور آنفاً ؟ ما آثارها في واقع الدستور؟ وماهي المتطلبات المفترضة لأجل إصلاح هذا الدستور؟
تنهض الدراسة على أساس المنهج التحليلي, لذلك اعتمدت هذا الأسلوب من أساليب البحث, إذ يتمّ ذلك عن طريق دراسة تحليل الإخفاقات التي رافقت صناعة دستور جمهورية العراق لسنة 2005 , والبحث بآثارها في الدستور.
إنَّ التعرّف على اخفاقات تأسيس دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ومتطلبات إصلاحه لا يكون وافياً وناجزاً مالم تدرس الجوانب ذات الصلة بالموضوع كافة, لذلك وجدنا أنَّــه من الضروري توزيع ما توافر من معطيات البحث في ثلاثة مطالب ، نتناول في المطلب الأول الإخفاقات التي رافقت نشأة الدستور, وندرس في المطلب الثاني أثر الإخفاقات في واقع الدستور, ونبحث في المطلب الثالث مسوغات إصلاح الدستور, ثمّ ننهي البحث بخاتمة تتضمن موجزاً لأهم النتائج والمقترحات, التي أسفرت عنها الدراسة.
التنزيلات
منشور
إصدار
القسم
الرخصة
هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.