خارطةُ طرِيق تعدِيل الدستُور
DOI:
https://doi.org/10.61353/ma.0090581Abstract
إنَّ مما لا شك فيه أنَّ الدساتير تُسن في ظروفٍ زمنيةٍ معينةٍ ، ثم ما تلبث أن تتعدل مع تغيُّر تلك الظروف ، فالدساتير ما وضعت كي تكون خالدةً وصالحةً لكلّ زمانٍ ، بل لتحكم مدةً زمنيةً معينةً لها ظروفها الخاصة ؛ لذلك لا عجب أنْ يتمّ تعديل الدستور العراقي الآن بعد تغيُّر الظروف التي وُضع فيها. إلّا أنَّ هذا التعديل ينبغي أنْ لا يكون مدخلاً للطعن به ، ذلك الطعن الذي أراهُ من قبل بعض الأفراد غير المحيطين بالظروف الملابسة لوضعهِ وصياغتهِ ، من الذين يحكمون على الدستور بعقلية 2020 لا بعقلية وضعه عام 2005 , فكما هو معروفٌ للجميع أنَّ العراق في ذلك الحين كان واقعاً تحت الاحتلال ، والدبابات الأميركية تسير في الشوارع العراقية ، والإرهاب التكفيري يرفع راية إبادة المكون الشيعي ، وجامعة الدول العربية تُجمِّد مقعد العراق فيها ، ومعظم الدول العربية تعادي العراق جهاراً نهاراً، والمفخَّخات تضرب العراقيين يومياً في أسواقهم , ومستشفياتهم, وجامعاتهم, ومساجدهم, وعتباتهم المقدسة ، والإرهاب يستبيحُ دماء أعضاء لجنة كتابة الدستور ويهدَّدهم بالقتل - وفعلاً تمّ اغتيال ثلاثةٍ منهم- ... ، وفوق ذلك الخلافات السياسية الحادة والمعقدة حول شكل الدولة وشكل الحكومة والفيدرالية ... ونحو ذلك من أمورٍ ليست بمخفيةٍ على أيّ عراقيٍ ، ولكنّ يبدو أنَّها مُغيبةٌ عن أولئك الطاعنين ، الذين يحكمون دون نظرٍ لهذه الظروف .
ومن جهةٍ أخرى فإنَّ الدستور مملوءٌ بالإيجابيات وعناصر القوة ، تلك الإيجابيات التي تفتقر إليها معظم دساتير المنطقة العربية ، التي التفت إليها كثيرٌ من المتخصصين الأجانب دون بعض العراقيين .!! نعم الكلّ يُقر بوجود بعض الهفوات ، التي كانت وليدة الصراعات السياسية العاصفة ، وربما الغالبية يطالبون الآن بالتعديل ، إلّا أنَّ ما أودُّ الإشارة إليه في هذا الصدد هو ضرورة أخذ عاملين بعين الاعتبار:
الأول : إنَّ من الضروري بمكانٍ أخذ الظروف الملابسة لوضع الدستور في الحسبان ، تلك الظروف المذكورة فيما سلف .
الثاني : إنَّ الدستور ينبغي أنْ يُحاكم بعقلية وقت وزمن سنِّه في عام 2005 ، لا بعقلية 2020 أو 2030 مثلاً ؛ وذلك لأنَّـه وُضع ليحكم مدةً زمنيةً معينةً – كما ذُكر آنفاً - ، لا أنْ يكون خالداً ، فهو ليس قرآناً ولا كتاباً سماوياً خالداً , لذلك يتحمل الفرقاء السياسيون مسؤولية عدم تعديله في السنوات المنصرمة ، إذْ كان يتعيّن تعديله قبل عشر سنوات في الأقل ؛ لأنَّـه نجح في إنقاذ البلد في بداية سنِّه ، ونجح في إقامة الحكم الديمقراطي ، وتأسيس الحقوق والحريات بصورةٍ لا نظير لها في كلّ دساتير المنطقة ، وارتقى في بعض مفردات هذه الحقوق والحريات ما موجود في بعض الدساتير المتقدمة ، وليس هذا تنظيراً أو رجماً بالغيب ، وإنّما ناجمٌ من تجربةٍ شخصيةٍ في متابعة دساتير العالم .
وبالمحصِّلة كان يتعيّن تعديل هذا الدستور من سنواتٍ مضت ، أمَا وأنَّــه لم يُعدل فيما مضى ، فإننا نُجدَّد دعوتنا في ضرورة تعديله الآن.
Downloads
Published
Issue
Section
License
This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.